أزمة النظام الصحي البريطاني: هل يلهمنا أم يحذرنا من تكرار فشله؟ - نبأ العرب

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أزمة النظام الصحي البريطاني: هل يلهمنا أم يحذرنا من تكرار فشله؟ - نبأ العرب, اليوم الاثنين 25 نوفمبر 2024 01:48 صباحاً

منذ تأسيس هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية (NHS) عام 1948م، اعتُبرت إنجازا حضاريا ونموذجا يُحتذى به في تقديم الرعاية الصحية المجانية والشاملة لجميع المواطنين بغض النظر عن دخلهم أو طبقتهم الاجتماعية، هذا النظام جسّد رؤية ثورية لحكومة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث سعى إلى القضاء على الفوارق الصحية وتوفير خدمات طبية متكاملة، حتى أن وزير الخزانة الأسبق نايجل لوسون وصفه بأنه "أقرب ما يكون لديانة في إنجلترا"، في إشارة إلى مكانته الرفيعة في قلوب البريطانيين، غير أن الواقع اليوم يكشف عن تراجع بريق هذا النظام تحت وطأة الأزمات المتلاحقة والتحديات المتزايدة.

انحدر النظام الصحي البريطاني من نموذج رائد يُحتذى به إلى مشهد مأساوي يغرق في تحديات عميقة ومتفاقمة، وأكدت التقارير الحكومية الأخيرة التي أعدها اللورد آرا دارزي، الجراح المرموق وعضو مجلس اللوردات، أن هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) تعيش حالة تدهور حاد نتيجة سياسات التقشف الصارمة التي تبنتها الحكومات المتعاقبة منذ عام 2010.

وبيّن التقرير أن إهمال الاستثمار في الموارد البشرية والمادية ترك أثره العميق على البنية التحتية للنظام، مع نقص حاد في الكوادر الصحية والأجهزة الحديثة، ما أضعف قدرة النظام على تلبية الاحتياجات المتزايدة للمرضى، وأدى إلى انهيار مستوى الرعاية الصحية المقدمة.

وفقا لاستطلاعي وبحثي المستفيض حول واقع النظام الصحي البريطاني، وجدت بأن تفاقم الأزمة قد يُعزى وبشكل كبير إلى الإهمال الواضح للكوادر الصحية، الذين يُشكّلون حجر الأساس لأي نظام صحي ناجح، فمن خلال زمالتي وتواصلي مع عدد من العاملين في القطاع الصحي البريطاني عبر برامج مهنية وتعليمية، لمست بوضوح أثر هذا الإهمال، حيث أصبحت بيئة العمل لديهم ضاغطة ومتطلبة بشكل يُرهق العاملين إلى حد كبير، كما زادت الضغوط النفسية والجسدية على الموظفين، وباتوا يشعرون وكأنهم مجرد أدوات لتحقيق الإنتاجية دون اعتبار لإنسانيتهم، وأيضا ومع الارتفاع المستمر في تكاليف المعيشة، لم تعد الرواتب كافية لتغطية احتياجاتهم الأساسية، ما دفع الكثير منهم للهجرة بحثا عن بيئة عمل تُقدّر تضحياتهم، مما أسفر عن نزيف مستمر في الكوادر الصحية.

هذا الوضع انعكس بشكل مباشر على المرضى، حيث يواجه المواطن البريطاني فترات انتظار طويلة للحصول على العلاج، وقد بلغت قوائم الانتظار مستويات غير مسبوقة، وتشير الإحصاءات المؤكدة إلى أن التأخير في تقديم الرعاية الصحية يتسبب في وفاة نحو 14,000 شخص سنويا، مما يكشف عن عمق الأزمة وفشل النظام في تحقيق التوازن بين جودة الرعاية ورفاهية العاملين.

إن تذمر العاملين والمرضى على حد سواء يُبرز بوضوح أن هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) قد بلغت مرحلة حرجة تستدعي إصلاحات شجاعة وجذرية، وهو ما تعهّد به رئيس الوزراء كير ستارمر في برنامجه الإصلاحي، على أمل إعادة بناء الثقة واستعادة قدرة النظام على تقديم رعاية صحية تلبي تطلعات الجميع.

في ظل هذا الواقع البريطاني المتأزم، يبرز تساؤل مهم بالنسبة لنا في المملكة العربية السعودية، وخاصة أن وزير الصحة الأسبق، الدكتور توفيق الربيعة، أشار في مقابلة تلفزيونية عبر برنامج "في الصورة" إلى دراسة النظام الصحي البريطاني كنموذج يُحتذى به، وهو ما أكده أيضا الدكتور خالد الشيباني، الرئيس التنفيذي لبرنامج التحول الصحي، في بودكاست حديث قبل خمسة أشهر، مؤكدا أن الوجهة النهائية للتحول الصحي مستلهمة من النموذج البريطاني، لكن، مع كل هذه التحديات والأزمات التي يمر بها هذا النظام، هل يُعدّ خيارا ملائما لتطبيقه في المملكة؟ يبدو أن الإجابة تفتقر إلى المنطق، إذا أخذنا في الاعتبار القصور الواضح في استجابة هذا النظام لاحتياجات الكوادر الصحية والمجتمع على حد سواء.

ختاما، لا يمكن تبسيط الفكرة أو الجزم بفشل النظام الصحي البريطاني بالكامل، ولا يمكن تجاهل قيمته كنموذج ملهم في بعض جوانبه، غير أن بناء نظام صحي متكامل يناسبنا في المملكة العربية السعودية يتطلب فهما عميقا ومتمعنا للتجارب العالمية، خاصة تلك التي نستقي أو نستلهم منها، وإذا ما أظهرت هذه التجارب عيوبا هيكلية تعيق استدامتها أو تحد من قدرتها على التكيف مع المتغيرات المستقبلية، فإن ذلك يتطلب معالجة حذرة وتخطيطا استباقيا.

في مقالات قادمة، سأحاول أن أستعرض أبرز الدروس المستفادة من التجربة البريطانية، ونناقش كيفية توظيفها لتلبية احتياجاتنا في المملكة بما يتوافق مع رؤيتنا الطموحة.

AbdullahAlhadia@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق