نبأ العرب

الإعلام والفكر الإستراتيجي.. "المشهد" نموذجا - نبأ العرب

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الإعلام والفكر الإستراتيجي.. "المشهد" نموذجا - نبأ العرب, اليوم الاثنين 11 نوفمبر 2024 11:45 مساءً

الإثنين 11/نوفمبر/2024 - 11:42 م 11/11/2024 11:42:53 PM

 

   شاهدت وباهتمام شديد عشية الإنتخابات الأمريكية حلقة تليفزيونية من برنامج " المشهد " الذي يقدمه الإعلامي نشأت الديهي، فقررت أن أكتب هذا المقال بعد أن ظل ذات الموضوع ولمدة طويلة مجرد مشروع في نيتي الكتابة عنه. مرجعية الأمر أنه برنامج راق يذّكرني بما كان يقدم قديما على شاشة التليفزيون المصري من برامج جادة تستقطب كبار المفكرين المصريين لمناقشة موضوعات شديدة الجدية بهدف إعلام الرأي العام بتفاصيل قد تخفى عليه أو نقاط يلعب عليها المتآمرون.  و في هذا السياق أتذكر برنامج "واجه الصحافة " في نسخته القديمة والذي كان يقدمه الراحل أحمد سمير، أو برنامج " أمسية ثقافية " للراحل الكبير فاروق شوشة، أو برنامج " ندوة للرأي " للإذاعي الراحل حلمي البلك  ، وغيرها من البرامج مما لا يحضرني اسمه حاليا.
  وجه متابعتي ثم إشادتي بهذا البرنامج هو أننا أصبحنا في حاجة ماسة لجدية إعلامية تليق بالظرف الوطني وبالأحداث السياسية في محيطنا الإقليمي وأن نستدعي أصحاب العقول المصرية الراجحة ليقدم كل منهم رؤيته الثاقبة سواء اختلف مع غيره من الحضور أو اتفق. أتحدث هنا عن جدية وعقلانية وليس عن تجهم أو حنجورية. ومع تقديري لكل الجهود والأشكال البرامجية التي تقدم حاليا بين الخبري والمنوعاتي والترفيهي وخلافه، إلا أننا نفتقد تلك البرامج المعمقة ليس في موضوعاتها ولكن في ضيوفها أيضا من حيث الزخم عددا وفكرا وتوجها.
      أما ما شاع في الأعوام الأخيرة من حيث تصدي بعض مقدمي البرامج لتقديم حديث مباشر دون ضيوف أو حتى استغلالهم للانترو ليوجهوا النصح والإرشاد ويحاولوا فرض وجهة نظرهم على الجمهور، وكأن مقدم البرنامج الوحيد الذي يعلم بواطن الأمور وظواهرها، لا أظن أن هذا أسلوب يليق مع الظرف الذي نعيشه، ولا هو حتى يتسق مع توجهات الدولة المصرية التي تتبنى قيادتها فكرة احترام تعدد الآراء واستيعاب وجهات النظر المختلفة، لدرجة أن الدولة تبنت حوارا وطنيا استمعت فيه لكل أصحاب الرؤى طالما أنها أفكار تنطلق من قاعدة وطنية هدفها الصالح العام والأمن القومي.
    أما مسألة برامج الرأي ذات الأصوات والأيديولوجيات المتعددة ففيها نفع كبير، ولكن بشروط نوجزها في ضرورة تعدد المدارس الفكرية والتوجهات السياسية والمراحل العمرية بحيث لا يحتكر الكلام توجه فكري أو أيديولوجي محدد ولا جيل بعينه ولا حتى جندر واحد. ومن جانبهم، يفترض أيضا أن يذاكر المتحدثون ملف الحلقة ويحدّثوا من معلوماتهم بشأن موضوعها قبل دخول الاستوديو، لا أن يكتفوا بسابق خبراتهم والتي غالبا ما تكون قد تقادمت أو عفا عليها الزمن. 
   فضلا على حتمية تمّرس المذيع وخبرته بالموضوع المطروح، وهو ما يستلزم مذاكرة طويلة ومستفيضة منه لملف الحلقة رفقة طاقم إعداد لا يقل كفاءة عن مُسير الحلقة، مع التزام المحاور بندرة التداخل وعدم محاولة فرض رأيه الشخصي على المتحدثين أو حتى تمييز من يتبنى رؤيته من الضيوف بمنحه مزيدا من الوقت أو أولوية الكلام أو إعطائه فرصا إضافية للتعقيب على من سبقوه. على أن يحرص فريق الإعداد أن يشمل ملف الحلقة قراءة في تاريخ الموضوع المطروح وطرح لواقعه، أما المحور الأهم فهو استشراف رؤى المستقبل. ومن ثم يراعي هذه الأمور في اختيار المتحدثين من خلال قراءة جيدة في سيرهم وأطروحاتهم. 
     لا ضير أبدا أن تكون هناك استفادة بمادة مصورة تتم الاستفادة بها على ويندو جانبي حتى لا يأخذ البرنامج الصبغة الإذاعية ونفقد ميزة إضافية خلقتها الوسيلة التليفزيونية ما يضمن جاذبية أكثر ومتابعة أطول. كما لا يمنع الأمر من إضافة تقارير أو شهادات مصورة مع خبراء قد لا يسمح تخصصهم أو وقتهم أو خبراتهم بأن يكونوا ضيوفا أساسيين في الاستوديو، ولكن لهم وجهات نظر تطور من الحوار وتعمقه وتضيف له محاور جديدة مفيدة. وعلى المذيع الذي يدير الجلسة أو رئيس تحريره صياغة سريعة لأهم النقاط والرؤى المطروحة ليقدمها المذيع في نهاية الحلقة كملخص يوجز فيه أهم ما جاء بها من آراء ووجهات نظر. 
  ومن الإنصاف القول إن معظم هذه الشروط المفترضة لنجاح ندوة تليفزيونية - والتي أصوغها بحكم متابعتي كمستمع وكمشاهد، ثم بدافع خبرتي كصانع محتوى إعلامي - توافرت في حلقات برنامج " المشهد " عامة، وفي حلقة الانتخابات الأمريكية على وجه الخصوص. ومن الإنصاف أيضا أن أشيد بضيوف الحلقة وبتنوعهم الفكري والثقافي ووجب التنويه إلى أهمية تناول هذا الموضوع من زاوية تأثيراته على واقعنا المصري والعربي، واتفاق الضيوف على ضرورة اهتمامنا داخليا بملفي التعليم والصحة كمنطلقين أساسيين لمجابهة المستقبل بتحدياته. أما ما أسعدني كرجل يتبنى الفكر العروبي فهو ما جاء على لسان دكتورة نهى بكر أستاذ العلوم السياسية والتي تمسكت بالحلم العربي،رغم الأصوات المعارضة لهذا الصوت حاليا، وقولها إننا لا ينبغي أن نتنافس على الريادة كدول عربية فنحن في حاجة ماسة إلى بعضنا البعض.

أخبار متعلقة :