نبأ العرب

رسالة بوتين للغرب.. ونهايات الحرب في أوكرانيا - نبأ العرب

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رسالة بوتين للغرب.. ونهايات الحرب في أوكرانيا - نبأ العرب, اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024 12:57 مساءً

الأحد 24/نوفمبر/2024 - 12:49 م 11/24/2024 12:49:00 PM

من نواحٍ كثيرة، يبدو أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن يفوز.. القوات الروسية تمضي قدمًا في أوكرانيا.. الرئيس الامريكي المنتخب، دونالد ترامب، يعود إلى البيت الأبيض.. ينتشر التعب من الحرب في جميع أنحاء أوروبا.. وعززت القوات الكورية الشمالية صفوف الجيش الروسي.. ومع ذلك، بدا بوتين يوم الخميس الماضي مُرهقًا ومُهددًا ومظلومًا، عندما أخذ تهديداته العدوانية ضد خصومه الغربيين إلى مستوى جديد.. وحتى مع احتمال وجود إدارة أمريكية أكثر ودية، أصبحت قاب قوسين أو أدنى من البيت الأبيض، فقد وجد بوتين نفسه يكافح من جديد، لمواجهة ربما أكبر فشل في حربه: عجز روسيا عن ردع الغرب، عن تقديم كميات هائلة من المساعدات العسكرية لأوكرانيا.؟. ونتيجة لذلك، فإن بوتين يُقرب روسيا من الدخول في صراع مباشر مع الولايات المتحدة، أكثر من أي وقت مضى منذ عقود.. وأعلن مساء الخميس، أن روسيا ضربت أوكرانيا بصاروخ جديد متوسط المدى، واحد بقدرات نووية (أوربيشنك)، في خطاب متلفز صوَّر الغرب، كمعتد لم يترك لموسكو أي خيار سوى الرد.. ويوم الجمعة، قال بوتين في اجتماع لقادته العسكريين، إن روسيا ستواصل استخدام الصاروخ الجديد، والبدء في الإنتاج المنتظم له.
بعد شهرين من الآن، يمكن لرئاسة ترامب الثانية، أن تمنح بوتين الفرصة لإبرام اتفاق سلام مع أوكرانيا، يُمكن أن يُصوره على أنه انتصار.. ولكن حتى ذلك الحين، يقول الأشخاص الذين يدرسون فكر الكرملين، إن بوتين عازم على إيصال رسالة تقشعر لها الأبدان، مفادها، أن أمريكا تخاطر بحرب نووية، بينما توسٍّع دعمها لكييف.. (لقد أظهر الجانب الروسي قدراته بوضوح)، قال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين..(إن ملامح المزيد من الإجراءات الانتقامية، إذا لم تُؤخذ مخاوفنا في الاعتبار، فقد تم تحديدها بوضوح تام).. ومن خلال التعبير عن الحالة المزاجية، نشر أحد أكثر الصقور الأمنية نفوذًا في روسيا، وهو عالم سياسي، مقالًا يُحذر فيه، من أن روسيا تخاطر (بتمزيق الهزيمة بين فكي النصر)، وقال إنه لكي ينتصر الكرملين على الغرب، فإنه يحتاج إلى تصعيد خطر استخدام الأسلحة النووية، (لقد بدأت روسيا في الفوز في الحرب ضد العدوان الغربي في أوكرانيا).. هكذا كتب السيد كاراجانوف ( لكن من المبكر والخطير الاسترخاء.. المعركة بدأت للتو).
منذ أن شن غزوه لأوكرانيا في فبراير 2022، كان بوتين حريصًا في الغالب، على تجنب الصراع العسكري المباشر مع الناتو، حتى عندما ضخَّت الدول الغربية أسلحة حديثة في أوكرانيا، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الجنود الروس.. لكنه قال يوم الخميس، بأكثر العبارات وضوحًا حتى الآن، إنه مستعد لمثل هذا التصعيد: قال إن روسيا (يحق لها) ضرب المنشآت العسكرية للدول (التي تسمح باستخدام أسلحتها ضد منشآتنا).. ويبدو السبب الرئيسي لهذا التحول واضحًا: قرار الرئيس بايدن الأخير بالسماح لأوكرانيا بضرب عمق الأراضي الروسية، بصواريخ مُقدَّمة من الولايات المتحدة يبلغ مداها 190 ميلًا.. تبع ذلك قرار مماثل من قبل الحكومة البريطانية.. وفي حين أن مخزون أوكرانيا الحالي من الصواريخ الغربية، لا يكفي لتغيير مسار الحرب، يبدو أن بوتين يخشى أن يزود الغرب أوكرانيا بصواريخ أقوى وأطول مدى في المستقبل.. لذا، فقد قال، (من تلك النقطة فصاعدا)، في إشارة إلى الهجمات الصاروخية الأوكرانية الأسبوع الماضي، (اتخذ الصراع الإقليمي في أوكرانيا الذي أثاره الغرب، عناصر ذات طبيعة عالمية).
لكن بعض المحللين يرون سببًا ثانيًا يجعل بوتين يشعر، بأنه مستعد لتحمل مخاطر أكبر الآن: عودة ترامب، التي تلوح في الأفق إلى البيت الأبيض.. بعد كل شيء، تتوافق تهديدات بوتين بشأن حرب (عالمية)، مع خطاب ترامب حول بايدن والمخاطرة بالحرب العالمية الثالثة.. لذا، فإن بوتين ـ الذي أشاد بسرعة بترامب بعد فوزه في الانتخابات ـ قد يعتقد أن اتخاذ خطوات أكثر عدوانية الآن، يمكن أن يساعده في التوصل إلى صفقة مواتية، بمجرد تنصيب ترامب.. (لا أرى أنه قلق بشأن تدمير فرصه في التوصل إلى اتفاق مع ترامب، بل على العكس تمامًا)، قالت تاتيانا ستانوفايا، وهي زميلة بارزة في مركز كارنيجي روسيا ـ أوراسيا.. التي أضافت، (ترامب اتخذ موقفًا مفاده، أن سياسات بايدن تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، وما ورد فعل بوتين يؤكد ذلك).. وقد قاوم بايدن منذ فترة طويلة، السماح لأوكرانيا بضرب عمق روسيا بالصواريخ الأمريكية، مما أثار إحباط أوكرانيا الكبير، وسط قلق بشأن رد بوتين.. وفي سبتمبر، قال بوتين إن مثل هذه الخطوة ستضع بلاده (في حالة حرب) مع الناتو.. ولأول مرة يحدد (خطًا أحمر) مُحددًا يحذر الغرب من عبوره.. لكن إدارة بايدن عبرت ذلك، مستشهدة بتصعيد بوتين للحرب هذا الخريف، من خلال جلب الآلاف من القوات الكورية الشمالية إلى القتال.
ومع أن مسئولي إدارة بايدن يقدرون أن خطر التصعيد من قبل بوتين تضاءل مع انتخاب ترامب.. لكن في موسكو، يُشكك البعض في هذه الفكرة.. إذ قال مسئول روسي كبير سابق، لا يزال مقربًا من الكرملين، (لا أحد يعرف) ما إذا كان التوصل إلى اتفاق مع ترامب ممكنًا حقًا، (لقد ظهر بالفعل تهديد بعد قرار بايدن، لذلك علينا الرد).. وقال ديمتري ترينين، المتخصص المُتشدد في السياسة الأمنية في الكلية العليا للاقتصاد في موسكو، إن المسئولين الأمريكيين (يبالغون في تقدير أنفسهم وأهمية أجندتهم للآخرين)، مشيرًا إلى أن بوتين ليس قلقًا جدا بشأن من يمسك بالسلطة في واشنطن، (بوتين لديه جدوله الزمني واستراتيجيته، وسيتبعهما).. ومع ذلك، أشار بوتين مرارًا وتكرارًا، إلى أنه مهتم بتسوية تفاوضية، طالما أنه قادر على الاحتفاظ بالأراضي التي استولت عليها روسيا في أوكرانيا، وانتزاع تنازلات سياسية، مثل ضمان عدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو.. وكثيرًا ما أشار إلى مسودة معاهدة، توصل إليها المفاوضون الأوكرانيون والروس في الأشهر الأولى من الغزو عام 2022، والتي كانت أوكرانيا ستُعلن فيها نفسها (محايدة بشكل دائم» وتقبل القيود المفروضة على حجم جيشها).
قد تكون روسيا (ساخرة ومتشككة للغاية)، بشأن احتمالات التوصل إلى اتفاق بعد تولي ترامب منصبه، كما قال صموئيل تشاراب، كبير علماء السياسة في مؤسسة راند، (لكنهم ما زالوا يدركون أنهم بحاجة إلى صفقة في النهاية).. ويؤكد المسئولون الأوكرانيون والغربيون، أن بوتين يبحث ببساطة عن صفقة بشروطه فقط، وهو ما يرقى إلى الاستسلام.. وقد سبق وانهارت مفاوضات عام 2022 بين روسيا وأوكرانيا، وسط خلافات حول كيفية حماية الغرب لأوكرانيا من غزو روسي آخر في المستقبل.. ومن المرجح أن تلوح هذه القضية ـ شكل (الضمانات الأمنية) لأوكرانيا ـ كعامل أكثر تعقيدًا في أي محادثات متجددة، بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وهي أكثر أهمية من مقدار الأراضي الأوكرانية المسموح لروسيا بالاحتفاظ بالسيطرة عليها.
وحتى ذلك الحين، تبدو الظروف مهيأة لمزيد من التصعيد، لأن روسيا وأوكرانيا تتنافسان على مواقف تفاوضية أفضل، قبل أن يتولى ترامب منصبه، ولأن بوتين يبدو مصممًا على ردع المزيد من التوسع في المساعدات الغربية لأوكرانيا، التي يمكن أن تجلب القتال إلى عمق الأراضي الروسية.. وقال تشاراب، (نحن في دوامة تصعيدية)، وأضاف أنه، بصرف النظر عن أي تحضير للمفاوضات المستقبلية، فإن هذه الدوامة (هي نوع من الديناميكية الخاصة بها).
●●●
ومع كل ما سبق، تظل هناك أربعة سيناريوهات لنهاية الحرب في أوكرانيا، تقدم تقييم للتحديات السياسية والاقتصادية المقبلة، قام عليها معهد Chatham House.. تقول، بما أن الحرب وجودية لكل من أوكرانيا وروسيا، فهناك أسباب قوية للاعتقاد بأنها قد تستمر لفترة طويلة، على الرغم من التعب على كلا الجانبين، والقدرة المحدودة للدول الغربية، على الاستمرار في تجهيز وتمويل المجهود الحربي لأوكرانيا على المستوى الضروري.. وبينما يسيطر فلاديمير بوتن على أدوات السلطة، فمن الصعب أن نرى إعادة معايرة لأهداف موسكو الاستراتيجية في أوكرانيا.. لقد ألزم روسيا بتوسيع مكاسبها الإقليمية في دونباس، و(نزع السلاح) من أوكرانيا، وتغيير قيادة كييف أو  ما يسميه (نزع النازية) وإجبارها على قبول الحياد.. إلا أنه وبعد ما يُقارب الثلاث سنوات من الحرب الروسية الشاملة على أوكرانيا، هناك الآن أربعة سيناريوهات رئيسية محتملة..
■ حرب طويلة، وصراع استنزافي، يمنح كل جانب إمكانية استنزاف الجانب الآخر.. تواصل فيه أوكرانيا القتال ومحاولة إعادة البناء في نفس الوقت، بينما تتكبد خسائر بشرية أكبر على ساحة المعركة والهجرة.
■ الصراع المُجمَّد، أي هدنة من شأنها أن تعمل على استقرار خط المواجهة، وتسمح لكلا الجانبين بإعادة تجميع قواتهما المستنفدة، وإعادة بنائها، استعدادًا للمزيد من القتال.. ولن يكون هناك اتفاق بشأن الوضع العسكري المستقبلي لأوكرانيا أو حجم قواتها المسلحة.. بل ستظل أوكرانيا ملتزمة رسميًا بهدف الاستعادة الكاملة لحدودها لعام 1991.
■ النصر لأوكرانيا، بتغيير في السياسة الغربية، يؤدي إلى قيام الحلفاء بتوفير الأسلحة والدعم العسكري، الذي من شأنه أن يسمح لأوكرانيا بإجبار الجيش الروسي على العودة إلى خط ترسيم الحدود في 23 فبراير 2022 على الأقل.. وهنا، فإن التراجع الروسي، خصوصًا إذا تعرضت سيطرة موسكو على شبه جزيرة القرم للخطر، يمكن أن يكون له عواقب سياسية وخيمة في روسيا نفسها، مما قد يؤدي ربما إلى فترة من عدم الاستقرار، تليها إصلاحات جذرية، وتطبيع العلاقات مع الغرب في نهاية المطاف.. إن فترة مطولة من التأمل الروسي، من شأنها أن تمكن أوكرانيا من إجراء إصلاحات عميقة وتسريع أوروبة مؤسسات الدولة، مما يؤدي إلى احتمال واقعي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وتحسين وضعها الأمني العام، ربما مع إمكانية الاندماج السريع في حلف شمال الأطلسي.
■ هزيمة أوكرانيا.. إذ أن قبول أوكرانيا لشروط الاستسلام الروسية (تغيير الحكومة، ونزع السلاح، والحياد) والتقسيم الفعلي، بما في ذلك الاعتراف بالخسائر الإقليمية لروسيا، لن يكون ممكنًا إلا في حالة حدوث انسحاب كبير للدعم الغربي لأوكرانيا وانهيار عسكري. ومن الناحية النظرية، قد يُجبر هذا على تولي حكومة (براجماتية) السلطة في كييف، مستعدة لقبول تنازلات إقليمية كبيرة لإنقاذ أوكرانيا من المزيد من إراقة الدماء والدمار.. ومع ذلك، فإنه سيخلق خطرًا كبيرًا لاندلاع تمردات لا مركزية في الأراضي التي ضمتها روسيا وإطالة أمد عدم الاستقرار في بقية البلاد.
●●●
سيعتمد مدى نجاح كل سيناريو على ثلاثة عوامل: الأول، قدرة واستعداد حلفاء أوكرانيا الغربيين للحفاظ على الدعم المالي والعسكري لها، وتوفير ضمانات أمنية طويلة الأجل.. الثاني، قدرة أوكرانيا على الحفاظ على الدعم الشعبي للحرب المستمرة، مع حشد ونشر القوات بكميات كافية.. الثالث، في حالة روسيا، استمرار غياب معارضة الحرب من جانب النخب والمجتمع ككل.. وعلى الرغم من التفاوت الواضح في حجم الجيش والقوة الاقتصادية وإمكانات التعبئة، التي جعلت أوكرانيا الطرف الأضعف في هذه الحرب، لا تزال البلاد تحتفظ بميزة حيوية واحدة على خصمها.. إن الأوكرانيين مدفوعون بما يقاتلون من أجله.. لقد حشدوا كمجتمع للدفاع عن استقلالهم.. وعلى النقيض من ذلك، يقاتل الجنود الروس أكثر من أجل المال وأقل من أجل بلدهم.. وفي حين ينظر الكرملين إلى الحرب على أنها وجودية بالنسبة لروسيا، لا يوجد دليل على أن هذا الرأي يحظى بدعم واسع النطاق في المجتمع الروسي، حتى لو اعتقدت الأغلبية أن (العملية العسكرية الخاصة) مبررة.. وعلى الرغم من أن روسيا لديها موارد أكبر بكثير لدعم حرب طويلة، إلا أن نهج موسكو الحذر في التعبئة، والذي يتضح من تجنيدها للجنود للحرب من المقاطعات بشكل أساسي، بدلًا من المدن الكبرى.. وإحجامها الواضح عن التعبئة بشكل أكبر، يشير إلى إدراك الكرملين لوجود حدود لاستعداد الروس للتجمع حول العلم، بدليل، أن غزو القوات الأوكرانية لمنطقة كورسك في أغسطس 2024، لم يؤد إلى موجة من الوطنية، ولم تكن هناك فيضانات من المتطوعين الراغبين في طرد الغازي.
ومثل روسيا، فإن مرونة أوكرانيا مبنية على قدرة المجتمع على التنظيم الذاتي، المستمدة من الروابط الأفقية القوية في بنيتها الاجتماعية.. كانت هذه الجودة بمثابة مضاعف قوة كبير، ولديها القدرة على البقاء كذلك، على الرغم من أن أوكرانيا تواجه تحديات واضحة في حشد وتدريب عدد كافٍ من الجنود لإبقاء الجيش يقاتل بشكل فعال.. يمكن أن تكون قدرة المجتمع على سد الثغرات التي خلفتها الهياكل الحكومية أيضًا عاملًا حاسمًا في دفع الإصلاحات اللازمة لرفع جودة مرونة أوكرانيا بشكل عام، وجعلها مستدامة على المدى الطويل.. إن العمليات الحزبية الأوكرانية الجارية في الأراضي التي احتلتها روسيا منذ بداية الغزو الكامل، هي تذكير بأن المقاومة المسلحة للحكم السوفييتي في الأجزاء الغربية من البلاد ـ التي تم دمجها في الاتحاد السوفييتي في نهاية الحرب العالمية الثانية ـ استمرت حتى منتصف الخمسينيات.. حتى لو هُزمت أوكرانيا رسميًا، فقد تظل هذه حربًا طويلة جدًا.
●●●
محددات السلام بالنسبة لأوكرانيا، تحكمها خمسة متغيرات رئيسية ستحدد طبيعة أي ترتيب للسلام.. الأول، مقدار الأراضي التي ستسيطر عليها؛ الثاني، مدى الضرر الاقتصادي؛ الثالث، مستوى الخسارة السكانية؛ الرابع، مستوى الأمن الذي يمكنها الحفاظ عليه؛ والخامس، مستوى الاستثمار الذي يجب أن تقوم به في دفاعها لردع المزيد من العدوان.. في الوقت الحاضر، من السابق لأوانه القول ما إذا كانت الدول الغربية ستوافق في النهاية على ضمان أمن أوكرانيا.. في الوقت الحالي، لا يوجد لدى حلف شمال الأطلسي ولا الاتحاد الأوروبي تعريف للنصر أو رؤية طويلة الأجل لكيفية توفير أمن أوكرانيا.. وتنطبق جميع المتغيرات الخمسة على النتائج المحتملة للحرب.
سيتطلب سيناريو (الحرب الطويلة) من أوكرانيا مواصلة القتال بموارد محدودة، أثناء محاولة إعادة بناء البنية التحتية التالفة، ودعم الاقتصاد ونظام الرعاية الاجتماعية.. ولن يكون رفع الأحكام العرفية ممكنًا في ظل هذه الظروف، ما لم يصبح القتال أقل حدة على مدى فترة طويلة، وربما تحت تأثير الأحداث الداخلية في روسيا، أو إرسال موسكو قوات إلى مسرح آخر، كما فعلت في سوريا عام 2015، وهي الخطوة التي بدا أنها صرفت انتباه بوتن عن التدخل الفوري في أوكرانيا.. وستحكم (الحرب الطويلة) على أوكرانيا، بمزيد من تدمير رأس مالها الاقتصادي والبشري والاجتماعي، وتحد من إمكانيات النمو الاقتصادي، وتُبطئ الإصلاحات اللازمة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.. إن الجمع بين إرهاق المجتمع وإفقاره المتزايد، والتوترات بين السلطات المدنية والعسكرية بشأن خيارات الموارد ـ وسط توتر العلاقات مع الشركاء الغربيين بسبب دعمهم المحدود ـ يمكن أن يخلق كوكتيلًا سياسيًا خطيرًا.. ويخشى بعض المعلقين الأوكرانيين أن يؤدي هذا الوضع إلى الفوضى والحرب الأهلية، كما حدث سابقًا في تاريخ أوكرانيا.. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو المُظلم غير مرجح، لأن الغالبية العظمى من الأوكرانيين يُحمِّلون روسيا مسئولية الحرب.. وحتى الآن، تحدت هذه الوحدة في المجتمع، الجهود الروسية لزعزعة استقراره من الداخل.. سينجح حلفاء أوكرانيا الغربيون في الحفاظ على الإجماع، على مواصلة تقديم المساعدة العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا، لكن المستويات الإجمالية للدعم، ستنخفض تدريجيًا بسبب ضغوط الإنفاق الأخرى.. وبشكل متناسب، سينخفض الدعم الأمريكي بينما سيزداد الدعم الأوروبي.
في مواجهة الاختيار بين وقف إطلاق النار، الذي قد يمنح مهلة لبضع سنوات، أو ما يُطلق عليه (صراع مُجمَّد)، وبين حرب استنزاف مستمرة.. قد يختار العديد من الأوكرانيين الخيار الأول بشكل مفهوم، إذا اعتقدوا أن الدعم الغربي يتضاءل، ولا يوجد تقدم فوري في ساحة المعركة.. وإذا كان بوتن ينوي حقًا إعادة بدء المفاوضات، فإن التحدي الذي يواجهه فولوديمير زيلينسكي، هو بيع وقف إطلاق النار محليًا.. سيحتاج إلى أن يشرح للبلاد لماذا سيكون ثمن وقف الأعمال العدائية أعلى من تكاليف الاستمرار في القتال، مع تناقص الإمدادات من الأسلحة، وعدم اليقين المتزايد بشأن النوايا الحقيقية للحلفاء الغربيين.. ومن المرجح أن يكون الثمن الذي يتعين دفعه، هو قبول خط المواجهة في ذلك الوقت، والحاجة إلى التخلي في الأمد القريب إلى المتوسط، عن أي احتمال لاستعادة الأراضي التي تم التنازل عنها بعد بدء الغزو الشامل.
ومن شأن مثل هذه الخطوة، أن تثير اتهامات بالهزيمة في الجيش والأجهزة الأمنية وقطاعات كبيرة من المجتمع.. وسيكون هذا مفيدًا لموسكو، لأنه سيضعف بشدة شرعية زيلينسكي ويُقسِم الجمهور.. من شأنه أن يُبرز الإحباط العلني من القرارات التي أدت إلى خسائر عسكرية فادحة، بما في ذلك الدفاع عن باخموت وأفديفكا.. ستمتد الانقسامات حول هذه القضية إلى حلفاء أوكرانيا.. ستؤدي الشكاوى في كييف من أن بعض الدول الغربية أجبرت أوكرانيا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، إلى زيادة التوترات داخل حلف شمال الأطلسي، وإثارة المخاوف بشأن قدرة التحالف على توفير دفاع موثوق به عن دول البلطيق وأجزاء أخرى من أوروبا الوسطى.. سيكون لقبول اتفاق وقف إطلاق النار آثار كبيرة على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستتبع رفع الأحكام العرفية، على افتراض صمود وقف إطلاق النار.
إذا سعى زيلينسكي إلى إعادة انتخابه، فسيواجه تحقيقًا صارمًا حول سبب عدم استعداد البلاد للغزو، ولماذا لم يتم إخلاء ماريوبول، على سبيل المثال، ولماذا تمكنت القوات الروسية من الاستيلاء على مساحات شاسعة من منطقة خيرسون في بداية الحرب الشاملة.. لن يكون من الصعب التنبؤ بالغضب العام الذي سيؤدي إلى تحقيقات جنائية، مع هؤلاء القادة المدنيين والعسكريين المسئولين عن دفاع البلاد، بما في ذلك ربما زيلينسكي نفسه.. إن تصورات الهزيمة من شأنها أن تُثبط عزيمة الجيش وتثبط عزيمة المجتمع، وتثير اتهامات بخيانة الغرب لأوكرانيا، والتي من شأنها أن تضخمها الدعاية الروسية.. ومن المُسلم به أن زيلينسكي وجنرالاته، قد يجادلون مبررين بأن الحلفاء الغربيين فشلوا في توفير الأسلحة التي تحتاجها أوكرانيا عندما احتاجت إليها، وأن الجيش الروسي كان قادرًا على بناء دفاعات في ساحة المعركة، حتى أن الجيوش الغربية المُدربة والمُجهزة جيدًا، كانت ستكافح للتغلب عليها.
ربما لا تعني مثل هذه التفسيرات العادلة شيئًا في جو من التوبيخ الشرس، الذي من شأنه أن يجلب لاعبين سياسيين جدد إلى الواجهة.. لا شك أن سيناريو (الصراع المجمد)، من شأنه أن يُثير تساؤلات خطيرة في المجتمع الأوكراني، حول التزام الحلفاء الغربيين بمواصلة دعم أوكرانيا، وصدق دعوة الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا للانضمام إلى المنظمة.. كما أن تصورات الهزيمة من شأنها أن تجلب شعورًا واسع النطاق بخيبة الأمل، في آفاق البلاد وتثير المزيد من الهجرة.. لن تعاني تقييمات زيلينسكي الشخصية بشكل كبير، كما هو مذكور أعلاه فحسب، بل سيتوقف حزبه (خادم الشعب) عن الوجود كقوة سياسية.. سيكون من الصعب أن نتخيل أن بوتن لن يستخدم توقف القتال لمحاولة إعادة بناء الجيش الروسي، الذي عانى من خسائر فادحة في المعدات والأفراد في أوكرانيا، بينما يسعى أيضًا إلى تخفيف العقوبات.. يمكن أن تصبح قضايا العقوبات والتعويضات وجرائم الحرب مثيرة للجدل في أوكرانيا، إذا حاول الحلفاء الغربيون إجبارهم على تحسين العلاقات مع موسكو.. سيحتاج الإنفاق الدفاعي إلى البقاء مرتفعًا لإعداد البلاد، لاستئناف الأعمال العدائية المحتمل، وقد يؤدي إلى خلافات مع الشركاء الغربيين القلقين، من أن أوكرانيا قد تثير عن غير قصد المزيد من الصراع مع روسيا.. سيكون الشركاء الغربيون منقسمين حول كيفية إدارة العلاقات مع روسيا.. قد يدعو البعض إلى استمرار سياسات الاحتواء، بينما يريد البعض الآخر تهدئة التوترات ومحاولة إعادة العلاقات.
في حين سيتم تتويج زيلينسكي وفريقه كأبطال في الخارج، فإن (النصر) لن يضمن إعادة انتخاب زيلينسكي، إذا شعر المجتمع أن تعزيز السلام يتطلب نوعًا مختلفًا من القادة.. يُقال إن زيلينسكي قلق من أنه قد يُكرر مصير ونستون تشرشل، كزعيم ملهم في زمن الحرب، أنقذ البلاد، لكنه خسر الانتخابات التي تلت ذلك.. إن إلحاق الهزيمة بالجيش الروسي من شأنه أن يمنح الأوكرانيين دفعة ثقة هائلة، ويشجع على عودة اللاجئين ويزيد بشكل كبير من احتمالية حصول أوكرانيا على ضمانات أمنية موثوقة من شركائها الغربيين.. إن إعادة فتح موانئ البحر الأسود، من شأنها أن تعيد إمكانات التصدير للبلاد وتساعد في تشجيع الاستثمار في إعادة الإعمار.. إن (النصر) في ساحة المعركة، لن يضمن بأي حال من الأحوال التقدم في تفكيك النظام.. على العكس من ذلك، قد يؤدي ذلك إلى تعزيز نموذج الحكم الراسخ، ولكن مع وجود مجموعة جديدة من اللاعبين الاقتصاديين.. ومع ذلك، فإن عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ستكون أداة فعالة للغاية، لمواجهة مثل هذه الجهود، وكسر قبضة الشركات الكبرى على السياسة والنظام الحكومي.. إن استعادة الأراضي التي احتلت لفترة طويلة، ستكون مهمة صعبة بشكل خاص، من حيث إقناع اللاجئين بالعودة وإزالة المتعاونين من الإدارات المحلية.. ومن شأن (النصر) أن يعيد ثقة الدول الغربية في قدرتها على مواجهة التهديدات، من الدول الاستبدادية لقيمها ومؤسساتها، حتى لو تم دفع الثمن بدماء الأوكرانيين.
أما (هزيمة أوكرانيا)، فسيكون لخذه الهزيمة عواقب مدمرة، على قدرة أوكرانيا على البقاء كدولة مستقلة، وقد تؤدي إلى تفتت البلاد، مدفوعًا جزئيًا بحركة الأشخاص النشطين اقتصاديًا من الأراضي المحتلة إلى بر الأمان في غرب البلاد أو في الخارج.. وما لم تتمكن أوكرانيا من استعادة هذه الأراضي في فترة زمنية قصيرة نسبيًا، فإن نزوح هذا الجزء من المجتمع قد يصبح دائمًا.. إن انهيار القوات المسلحة من شأنه أن يساهم في إضعاف السلطة المركزية في كييف، بشكل عام، ويزيد من خطر النتيجة المروعة المتمثلة في الفوضى.. ومن شأن (الهزيمة) أن تشجع على تطوير التمردات الصغيرة ضد الحكم الروسي، واستخدام العنف ضد القادة الأوكرانيين المستعدين للتعاون مع موسكو، على غرار ما حدث بالفعل في الأراضي التي تحتلها روسيا منذ عام 2014.. وفي الوقت نفسه، سيكون هناك خطر انضمام أعداد كبيرة من الأوكرانيين إلى صفوف الجيش الروسي، إما لأنهم سيضطرون إلى الانضمام من قبل سلطات الاحتلال، أو لأنهم سيختارون الخدمة طواعية بسبب وضعهم الاقتصادي المزري.. ومن شأن انخفاض عدد السكان وانهيار الخدمات العامة في بعض المدن وشلل الاقتصاد، أن يخلق وضعًا شديد التقلب قد يجتذب بعض الدول المجاورة لحماية حدودها ومنع انتشار العنف.. وسوف تكون السلطة الأخلاقية للولايات المتحدة وحلفائها في حالة يرثى لها، عندما تفكر بلدان في أجزاء أخرى من العالم، في معنى الضمانات التي تقدمها دول أعضاء مجموعة السبع لدعم دولة في محنة (طالما استغرق الأمر ذلك).. كما سيتم اختبار تماسك حلف شمال الأطلسي بشدة، مع مواجهة دول أعضاء أوروبا الوسطى تدهورًا ملحوظًا في وضعها الأمني، وعدم اليقين بشأن التزام الولايات المتحدة بالدفاع المتبادل.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

أخبار متعلقة :